ويسكي رواية تجمع بين الماضي والحاضر وتقدم رسالة في طيات السطور بإبداع الروائي بولس عماد

بقلم الإعلامية: منار أيمن سليم
في عالم الرواية، حيث تمتزج الحقيقة بالخيال، والتاريخ بالحاضر، يأتي الكاتب” بولس عماد” ليقدم لنا تحفة أدبية جديدة بعنوان “ويسكي”. هذه الرواية ليست مجرد سرد لوقائع من زمن قديم، بل هي رسالة مخبأة بين السطور، تعكس وعينا بما نعيشه في أزمتنا الحالية، وكأن الماضي يمد يده للحاضر ليضيء لنا طريق الفهم والإدراك.
بدأ كتابتة في الرواية منذ عام 2018 م تأخذنا أحداث “ويسكي” إلى عصر البشوات، حيث كانت القاهرة – المحروسة – تنبض بالحياة الفاخرة، وتعجّ بالمؤامرات الخفية والصراعات الاجتماعية العميقة. تبدأ القصة مع نبأ اختفاء جثة أحد كبار البشوات، وهو الحدث الذي يقلب الأمور رأسًا على عقب، ويثير الفضول والذعر في آنٍ واحد. في هذا العالم المليء بالغموض، يظهر بطل الرواية سليم، الذي يجد نفسه وسط دوامة من الأحداث، عندما يلتقي بـ مقشاط، الحرامي الماكر، الذي دخل حياته صدفة لكنه سيصبح رفيق رحلته في البحث عن الحقيقة.
بينما يتتبع سليم ومقشاط خيوط الجريمة الغامضة، ينضم إليهما شخصية ثالثة، مراد، الشاب الذي يحمل في قلبه جرحًا عميقًا. مراد ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو جزء من المأساة، إذ يسعى جاهدًا لإنقاذ شقيقته من براثن قصر الباشا المختفي، حيث تتداخل السلطة بالفساد، والحب بالخطيئة، والعدالة بالانتقام.
يكتشف الثلاثة معًا أن القضية أكبر مما تبدو عليه، وأن وراء اختفاء الجثة أسرارًا قديمة، تتعلق بحب ملعون كان سببًا في كل ما جرى. وبينما يبحثون عن الحقيقة، يجدون أنفسهم محاصرين بين مطاردة الأعداء، وكشف المستور، واتخاذ قرارات مصيرية ستغير مجرى حياتهم للأبد.
رواية “ويسكي” ليست مجرد مغامرة مشوقة تدور أحداثها في الماضي، بل هي انعكاس لحاضرنا بكل ما فيه من أزمات وصراعات. بأسلوبه السلس والممتع، ينجح بولس عماد في رسم صورة حية لعصر البشوات، لكنه في ذات الوقت يوجه القارئ إلى التأمل في الواقع الذي نعيشه اليوم. بين السطور، تكمن الرسائل الذكية التي تدعونا لفهم التاريخ، واستخلاص العبر منه، لأن بعض الأخطاء تتكرر بأشكال مختلفة عبر الزمن.
يعتمد الكاتب على بناء شخصيات قوية، كل منها يحمل دوافعه الخاصة، وصراعاته الداخلية التي تجعل القارئ يتعاطف معها أو ينفر منها. فـ سليم، الصحفي الشغوف بالحقيقة، ومقشاط، اللص الذي قد يكون لديه من الحكمة ما يفوق كثيرًا من النبلاء، ومراد، الذي يحارب من أجل أخته، جميعهم يمثلون وجوهًا مختلفة للصراع الإنساني الذي يتكرر في كل عصر.
يمتاز أسلوب بولس عماد في “ويسكي” بالسلاسة، والقدرة على جذب القارئ منذ السطر الأول. فهو يكتب بأسلوب سردي مشوق، يمتزج فيه الحكي بالمشاهد السينمائية التي تجعل القارئ يشعر وكأنه يشاهد فيلماً قديماً بتفاصيله الساحرة. كما يعتمد على عنصر المفاجأة، إذ تأخذ الأحداث منحنيات غير متوقعة، تجعل القارئ يلهث وراء الإجابات، ويعيد التفكير في كل ما قرأه من قبل.
قد يبدو عنوان الرواية “ويسكي” غريبًا لأول وهلة، لكنه يحمل في طياته معنى أعمق بكثير من مجرد مشروب شائع في زمن البشوات. في جوهر الرواية، يرمز “الويسكي” إلى المفاتيح التي نملكها جميعًا – مفاتيح تقودنا إلى الحقيقة، وأخرى قد توقعنا في الفخ. كل شخصية في القصة لديها مفتاحها الخاص، نقطة ضعفها أو قوتها، التي تشكل مصيرها في النهاية.
فـ سليم يحمل مفتاح الحقيقة، لكنه لا يدرك الثمن الذي سيدفعه مقابلها. ومقشاط لديه مفتاح النجاة، لكنه يتأرجح بين الضمير والمصلحة. أما مراد، فمفتاحه هو الحب، لكنه حب ملعون يدفعه إلى طريق محفوف بالمخاطر. في النهاية، كل شخص لديه “ويسكيه” الخاص – تلك الثغرة الصغيرة التي يمكن أن تكون مدخلًا للخلاص، أو بابًا للهلاك.
من خلال هذا العنوان، يدعونا بولس عماد للتفكير في مفاتيحنا نحن أيضًا. هل نعرفها جيدًا؟ هل نستخدمها لصالحنا أم أنها تتحكم في مصائرنا دون أن نشعر؟ في عالم “ويسكي”، كما في الواقع، ليست كل المفاتيح تفتح الأبواب الصحيحة، وأحيانًا، ما نظنه وسيلة للهرب قد يكون طريقًا بلا عودة.
رواية “ويسكي” ليست مجرد حكاية من الماضي، بل هي مرآة تعكس واقعنا، تدعونا إلى التأمل، وتعيد تعريف مفهوم البحث عن الحقيقة. بأسلوب ممتع، وحبكة متماسكة، وشخصيات نابضة بالحياة، ينجح بولس عماد في تقديم عمل روائي مميز، يجمع بين الإثارة، والتاريخ، والدراما، ليكون إضافة قوية للمكتبة العربية.
إذا كنت من عشاق الروايات التي تمزج بين الغموض والمعاني العميقة، فإن “ويسكي” ستكون رحلة ممتعة لا تُنسى بين صفحات الماضي، بحثًا عن إجابات الحاضر.

عدسة مجدي فهيم