ترند ومنوعات

خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف 25 يوليو 2025م الموافق 30 من محرم 1447هـ – مصر نيوز

حددت وزارة الأوقاف المصرية، موضوع خطبة الجمعة القادمة، 25 يوليو 2025م الموافق 30 من المحرم 1447هـ، عن “إدارة الوقت مِفْتاح بناء الإنسان الناجح”، وموضوع الخطبة الثانية عن ”ضوابط التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي”.

وأكدت وزارة الأوقاف أن الهدف المراد توصيله للجمهور، من الخطبة الأولى “إدارة الوقت مِفْتاح بناء الإنسان الناجح، هو بيان أهمية الحفاظ على الوقت وحسن إدارته لبناء إنسان ناجح، مع استحضار هدي الإسلام في كل لحظة من لحظات الحياة اليومية.

وقالت إن الهدف الهدف المراد توصيله للجمهور من الخطبة الثانية “ضوابط التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، هو بيان خطورة التهاون في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي دون ضوابط.

 الخطبة الأولى “إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح”

الحمد لله الذي خلق الإنسان، وعلّمه البيان، وسخّر له الأزمان؛ ليَعمُرَها بطاعته، ويستثمرَها في مرضاته، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير ولد عدنان، وعلى آله وصحبه وعترته، أما بعد:

 فإن الوقتَ هو رأسُ مال الإنسان الحقيقي، وَمَنْ أَحْسَن استثماره، فقد أحسن بِناءَ نفسه ومستقبله، ومن ضيّعه، ضاع عمره فيما لا ينفع.

وفي عالم يتسارع بخُطى متلاحقة، لا ينجو ولا ينجح إلا من عرف كيف يدير وقته بحكمة ووعي.

  • للنعم أصولٌ وفروع

إن للنعم أصولًا وفروعًا، فمن فروع النعم مثلًا: البسطة في العلم والجسم والمال، والمحافظة على نوافل العبادات، وما إلى ذلك من الآداب والسنن والمستحبات وبعض الواجبات، فكل أولئك من فروع النعم، وما أجلَّها من فروع عند عارفيها.

وأما أصول النعم، فكثيرة أيضًا لا تحصى، وأول أصول النعم، الإيمان بالله تعالى وبما جاء من عنده، ونعمة الصحة والعافية، ونعمة العلم، فتحصيله نعمة، والانتفاع به نعمة، والنفع به نعمة، وتخليده ونقله للأجيال المقبلة نعمة، ونشره في الناس نعمة، وهكذا.

  • نعمةُ الوقت من أَجَلِّ أصول النّعم

ومن أصول النعم أيضًا، بل من أَجَلِّ أصولها وأغلاها: نعمة (الزمن)، فالزمن هو عمر الحياة، وميدان وجود الإنسان، وساحة ظلّه وبقائه ونفعه وانتفاعه.

وقد أشار القرآن الكريم إلى عظم هذا الأصل في أصول النعم، وألمح إلى علو مقداره على غيره، فجاءت آيات كثيرة ترشد إلى قيمة الزمن، ورفيع قدره وكبير أثره. [قيمة الزمن عند العلماء].

  • القَسَم بالوقت في القرآن الكريم

إن بعض سور القرآن سُميت بأزمان، وهي ست سور: “الجمعة، الفجر، الليل، الضحى، القدر، العصر”.

وقد أقسم الله تعالى بالوقت في غير آية من كتابه العزيز، وما ذلك إلا لشرف الوقت ومكانته وأهميته، وضرورة الانتباه له وعدم تضييعه فيما لا نفع فيه:

قال تعالى: {وَٱلۡفَجۡرِ}، وقال تعالى: {وَٱلضُّحَىٰ}، وقال تعالى: {وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ} [الليل ١-٢].

وقال تعالى: {وَٱلۡعَصۡرِ * إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ * إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ} [العصر: ١-٣].

قال الإمام الفخر الرازي ما ملخصه: “أقسم الله بالعصر؛ لما فيه من الأعاجيب؛ لأنه يحصل فيه السراء والضراء، والصحة والسقم، والغنى والفقر؛ ولأن العمر لا يقوم بشيء نفاسة وغلاء؛ فلو ضيعت ألف سنة فيما لا يعني، ثم تبت، وثبتت لك السعادة في اللمحة الأخيرة من العمر، بقيت في الجنة أبد الآباد، فعلمت أن أشرف الأشياء حياتك في تلك اللمحة، فكان الزمان من جملة أصول النعم، فلذلك أقسم الله به، ونبه سبحانه على أن الليل والنهار فرصة يضيعها الإنسان! وأن الزمان أشرف من المكان فأقسم به؛ لكون الزمان نعمة خالصة لا عيب فيها، إنما الخاسر المعيب هو الإنسان” [مفاتيح الغيب].

وقال الإمام النيسابوري: “وفي تخصيص القسم به إشارة إلى أن الإنسان يضيف المكاره والنوائب إليه، ويحيل شقاءه وخسرانه عليه؛ فإقسام الله به دليل على شرفه، وأن الشقاء والخسران إنما لزم الإنسان لعيب فيه لا في الدهر؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر» “رواه أحمد” [غرائب القرآن ورغائب الفرقان].

  • نعمتان مغبُون فيهما كثيرٌ منَ الناس

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ». [رواه البخاري].

قال بعض العلماء: “النعمة ما يتنعَّم به الإنسان ويستلذه، والغَبنُ أن يشتريَ بأضعاف الثمن، أو يبيعَ بدون ثمن المثل.

فمن صح بدنه، وتفرغ من الأشغال العائقة، ولم يسعَ لصلاح آخرته، فهو كالمغبون في البيع.

والمقصود أن غالب الناس لا ينتفعون بالصحة والفراغ، بل يصرفونهما في غير محالهما، فيصير كل واحد منهما في حقهم وبالًا! ولو أنهم صرفوا كل واحد منهما في محله لكان خيرا أي خير”. [قيمة الزمن عند العلماء]

وقال الإمام ابن الجوزي: “قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا لشَغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسلُ عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعةُ الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحُها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون، لأن الفراغ يَعقُبُه الشغل، والصحة يَعقبُها السَّقَم، ولو لم يكن إلا الـهَرَم لكفى”. [فتح الباري].

وقال تعالى: {وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} [المنافقون: ١٠: ١١].

وقال سبحانه: {أَوۡ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلۡعَذَابَ لَوۡ أَنَّ لِي كَرَّةٗ فَأَكُونَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} [الزمر: ٥٨].

قال الإمام الأوزاعي: “ليس ساعة من ساعات الدنيا إلا وهي معروضة عَلَى العبد يوم القيامة، يوماً فيوماً، وساعة فساعة، فلا تمر به ساعة لم يذكر اللَّه فِيهَا إلا تقطعت نفسه عَلَيْهَا حسرات، فكيف إذا مرت به ساعة مَعَ ساعة ويوم مع يوم”.

  • ما أفسد الناسَ شيءٌ مثلُ الفراغ

الفراغ هو: غياب الهدف والعمل، وإذا خلا الإنسان من العمل، امتلأ غالبًا يومُه بالتفاهات أو الشهوات والوساوس، فيلجأ إلى إدمان السوشيال ميديا، والألعاب الإلكترونية، والقيل والقال، إلى أن يقتله الإحباط والملل واليأس، ومن هنا يأتي الفساد؛ فالإنسان لم يُخلق عبثًا ولا ليعيش فارغًا بلا هدف.

ولذلك قالوا: نفسك إن لم تشغلها بالحق، شغلتك بالباطل.

وقال سيدنا عبد الله بن مَسْعُودٍ: “إِنِّي لَأكره الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا، وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ” [رواه ابْن أَبِي شَيْبَة].

  • الإنسان يُسأل عن الوقت يوم القيامة

عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟» [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح].

فالعمر وقت، وهو فترة عيش الإنسان، والشباب فترة مخصوصة من العمر يسأل عنها الإنسان، فالسؤال يوم القيامة مرتين عن الوقت بحسب أهميته، لأن العمر كله وقت مهم، وأهم وقت فيه هو وقت الشباب، وقت القوة والفتوة.

  • اغتنام الفرص واستغلال الأوقات

عن ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْس: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» [رواه الحاكم والبيهقي]، وهذا الحديث يمثل قاعدة ذهبية في إدارة الوقت، واستغلاله الاستغلال الأمثل في حياة المسلم.

وعن مَعْقِل بن يسار قال صلى الله عليه وسلم: «لَيسَ مِنْ يَوْمٍ يَأتِي عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلا يُنَادَى فِيه: يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا خَلقٌ جَدِيدٌ، وأَنَا عَلَيكَ غَدًا شَهِيدٌ، فَاعْمَل خيرًا فِيَّ أَشْهَدُ لَك غَدًا، وَإنِّي لَوْ قَدْ مَضَيتُ لَنْ تَرَانِى أبَدًا، وَيَقُولُ اللَّيلُ مِثْل ذَلِك» [رواه أبو نعيم في الحلية].

ويروى عن الحسن البصري، قوله عن الوقت: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام؛ فإن ذهب يوم ذهب بعضك”.

  • ربط العبادة بالوقت

من حكمة الله تعالى أن ربط العبادات كلها بأوقات محددة.

قال تعالى: {إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا} [النساء: ١٠٣].

فالصلاة لها مواقيت محددة، يجب استثمارها وعدم تضييعها.

وقال تعالى: {ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ} [البقرة: ١٩٧].

وقال تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ} [البقرة: ١٨٥].

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه].

  • الندم يوم القيامة على إضاعة الأوقات

من أشد ما يتحسر عليه الإنسان يوم القيامة ضياع العمر فيما لا نفع فيه، أو فيما فيه وبال عليه، قال تعالى في وصف حال من ضيع وقته، وما يقال لهم يوم المشهد العظيم: {أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [فاطر: ٣٧]، فجعل سبحانه “التعمير”، موجباً للاعتبار، وميداناً للإيمان والاستبصار، وصيَّر “العمر” الذي هو “الوقت” حُجْة على الإنسان، كما أقام وجود النذير والرسول حجة عليه أيضاً: {رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا} [النساء: ١٦٥].

  • اغتنام الوقت لا يعني العجلة والتسرع

قد يظن بعض الناس أن اغتنام الوقت معناه العجلة في أداء المهام ولو بلا إتقان، وهذا غير صحيح؛ فالإتقان هدف، والوقت أحد وسائله.

فقد أمر الله تعالى الإنسان أن يروض جبلته التي جبل عليها فلا يتعجل؛ بل يتأمل ويتدبر قبل اتخاذا القرارات، قال تعالى: {خُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ مِنۡ عَجَلٖۚ سَأُوْرِيكُمۡ ءَايَٰتِي فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ} [الأنبياء: ٣٧].

وأنكر الله على المتعجلين؛ فقال تعالى: {وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا} [الإسراء: ١١].

وقال لنبيه –صلى الله عليه وسلم-: {وَلَا تَعۡجَلۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ} [طه: ١١٤].

وقال أيضا: {لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ * إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ * فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ } [القيامة: ١٦-١٨].

  • نماذج من الصحابة والعلماء الذين خلّفوا علمًا كثيرا في حياة قليلة

نموذج من الصحابة:

معاذ بن جبل: -رضي الله عنه-، قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أَعْلَمُ أُمَّتِي بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» [رواه الترمذي].

قال الحافظ أبو نُعَيم: “أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل، المحكم للعمل، التارك للجدل، مقدام العلماء، وإمام الحكماء، ومطعام الكرماء، القارئ القانت المحب الثابت، السهل السري السمح السخي، المولى المأمون والوفي المصون، مؤتمن على العباد والأموال، ومصون من الموانع والأحوال” [حلية الأولياء].

قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: لَوْ عَهِدْتَ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: لَوْ أَدْرَكْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، ثُمَّ وَلَّيْتُهُ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ لِي: مَنْ وَلَّيْتَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ نَبِيَّكَ وَعَبْدَكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يقول: «مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بَيْنَ يَدَيِ الْعُلَمَاءِ طَائِفَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [حلية الأولياء للأصبهاني].

وهو إمام العلماء يوم القيامة، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَمَامَ الْعُلَمَاءِ بِرَتْوَةٍ» [رواه الحاكم في المستدرك].

وقال صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، فَبَدَأَ بِه،ِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ» [رواه مسلم].

قيل توفي ابن ثمان وعشرين، وقيل ابن اثنتين وثلاثين، وقيل ابن أربع وثلاثين، وأكثر ما قيل في وفاته أنه توفي وهو ابن ثمان وثلاثين سنة.

من العلماء:

الإمام الشافعي ٥٤ سنة، الإمام الغزالي ٥٤ سنة، الإمام النووي ٤٥ سنة، وغيرهم الكثير من العلماء الذين خلفوا علمًا كثيرًا في أعمار قصيرة.

  • إجراءات عملية لاغتنام الوقت

١-  تنظيم الوقت وترتيب الأعمال.

عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَابِطٍ، قَالَ: “لَمَّا حَضَرَ أَبَا بَكْرٍ الْمَوْتُ، دَعَا عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فَقَالَ لَهُ: “اتَّقِ اللهَ يَا عُمَرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ عَمَلًا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلًا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ” [حلية الأولياء].

٢-  اغتنام وقت الفراغ فيما يفيد قبل الانشغال.

فالعبرة في “استغلال الوقت” بما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع، قال ابن عطاء الله السكندري: “رُبَّ عمر اتسعت آماده، وقلت أمداده، وربَّ عمر قليلة آماده، كثيرة أمداده” [الحكم العطائية].

قال الوزير يحيى بن هُبيرة البغدادي:

           وَالوَقْتُ أنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ *** وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ

           إنّا لَنفْرحُ بِالأَيامِ نَقْطَعُهَا *** وكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَل

         فَاعْمَلْ بِنفَسِكَ قَبْلَ المَوْتِ مُجْتَهِدًا *** فَإِنَّمَا الرِّبْحُ والخُسْرَانُ فِي العَمَل

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النبي –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تُنْظَرُونَ إِلَّا إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنًى مُطْغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ» [رواه الترمذي].

٣-  المبادرة وعدم التأجيل.

قال تعالى: {سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ} [الحديد: ٢١].

وقال تعالى: {وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ} [آل عمران: ١٣٣].

قال النيسابوري: “وفي لفظ: “سابِقُوا”: هاهنا إشارة إلى أن مراتب هؤلاء مختلفة، بعضها أسبق من بعض كالمسابقة في الخيل، وفي لفظ: “سارِعُوا”: هنالك رمز إلى أن كلهم مستوون في القرب أو متقاربون؛ لأن المرتبة العليا واحدة، وهي مرتبة السابقين المقربين، وإنها غاية الرتب الإنسانية” [غرائب القرآن ورغائب الفرقان].

٤-  تخير الأوقات المباركات (البركة في البكور).

ابدأ يومك بصلاة الفجر وذكر الله تعالى، فالبكور هو أول النهار بعد صلاة الفجر، وهو وقت النشاط الذهني والجسدي، وساعات الصفاء والسكينة، وهو وقت تقسم فيه الأرزاق، ويُكتب فيه العمل.

فعَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا»، قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً، أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، قَالَ: وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا، فَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ” [رواه ابن ماجه].

قال ابن بطال: “وإنما خص -صلى الله عليه وسلم- “البكور” بالدعاء بالبركة فيه من بين سائر الأوقات؛ لأنه وقت يقصده الناس بابتداء أعمالهم، وهو وقت نشاط، وقيام من دعة، فخصه بالدعاء؛ لينال بركة دعوته جميع أمته” [فتح الباري].

٥-  الترويح عن النفس ساعة.

عن حنظلة رضي الله عنه، قال: قال رَسُول اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ فِي الطُّرُقِ» [رواه مسلم].

قال الإمام الغزالي: “ترويح النفس، وإيناسها بالمجالسة والنظر والملاعبة، إراحة للقلب، وتقوية له على العبادة؛ فإن النفس ملول، وهي عن الحق نفور؛ لأنه على خلاف طبعها، فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت وثابت، وإذا روحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت، وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات، قال علي -رضي الله عنه-: “روحوا القلوب ساعة فإنها إذا أكرهت عميت” [إحياء علوم الدين، ٢/٣٠].

وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ، كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا” [رواه البخاري].

٦-  المداومة ولو على القليل.

عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: “سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» وَقَالَ: «اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ» [رواه البخاري].

وحافظ على وردك من ذكر الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، ووردك من القرآن ولو صفحتين في اليوم؛ فإنك لو واظبت على صفحتين كل يوم ستختم القرآن مرة كل تسعة أشهر، واشغل نفسك في وسائل المواصلات بالذكر أو القراءة، فإنها أوقات تضيع منط بسهول فأحسن استغلالها.

وأخيرا: إن إدارة الوقت ليست مجرد تنظيم للمهام اليومية، بل هي فَهْمٌ عميق لقيمة الحياة، وإدراكٌ بأن كل لحظة هي فرصةٌ للتقرب إلى الله، ولتحقيق الأهداف السامية في الدنيا والآخرة. فلنحرص على أوقاتنا، ولْنَستغِلَّها فيما يُرضي الله، ولنتذكر دائماً أننا “أيام”، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضنا.

الخطبة الثانية “ضوابط التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعيّ”

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وخير خلق الله أجمعين، سيدنا محمد وآله أجمعين؛ وبعد:

فإن مواقع التواصل الاجتماعي من النعم التي أنعم الله عز وجل بها علينا في هذا العصر؛ فهي باب للخير، ومنبر للدعوة، ووسيلة للتواصل النافع، فبها تتحقق سنة الله في خلقه، قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ} [الحجرات: ١٣].

ولكن بشرط أن تُستخدم فيما يعود بالنفع والخير على الفرد والمجتمع، وإلا كانت وسيلة من وسائل إهدار الأوقات، وتضييع عمر الإنسان فيما لا يفيد ولا ينفع.

  • ضوابط التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعيّ

١- النية الحسنة: يجب أن تكون النية من استخدام هذه الوسائل هي خدمة دين الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العلم النافع، والتواصل الإيجابي مع الآخرين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [رواه البخاري].

٢- البعد عن ترويج الشائعات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» [رواه مسلم]، فكم من شائعة روجت، وفتنة أشعلت؛ بسبب منشور كاذب، أو مقطع مفبرك.

٣- عدم ترويج المحتويات المنافية للأخلاق والقيم، قال الله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} [النور: ١٩].

٤- مراعاة الخصوصية وعدم التجسس، قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ} [الحجرات: ١٢].

٥- عدم الخوض فيما يَجْهله الشخص أو لا يُحْسِنه؛ قال الله تعالى: {وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا} [الإسراء: ٣٦].

٦- البعد عن السخرية والتنمر، قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ} [الحجرات: ١١].

٧- عدم إضاعة الوقت؛ كما مر في الخطبة الأولى.

٨- تجنب الخلوة المحرمة: يجب الحذر من الوقوع في الخلوة المحرمة عبر المحادثات الخاصة مع الجنس الآخر، والتي قد تؤدي إلى الفتنة، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان» [رواه الترمذي].

٩- الحذر من الرياء والسمعة: يجب أن يكون الهدف من النشر هو وجه الله تعالى، وليس التفاخر والرياء وطلب الشهرة، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «مَن سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ به، ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ بهِ» [رواه البخاري].

١٠- الموازنة بين العالم الافتراضي والواقعي: يجب ألا تطغى العلاقات الافتراضية على العلاقات الحقيقية مع الأهل والأصدقاء والجيران، فالعلاقات الأسرية والاجتماعية لها الأولوية في الإسلام.

اقرأ أيضا:

استخدام شبكة الواي فاي بدون اذن صاحبها.. دكتور شوقي علام يبين الحكم

بر الابن العاق لوالده المتوفي.. دكتور شوقي علام يوضح

الأوقاف تنظم 27 ندوة عن “التسامح.. مفتاح السلام والوئام في المجتمع”

خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف غدا 18 يوليو 2025م الموافق 23 محرم 1447 هـ

شيخ الأزهر يدعو إلى منهج موحد للغة العربية والتاريخ العربي يُدرَّس في جميع الدول العربية

الأزهر يدين اغتيال طالبة جزائرية بألمانيا ويدعو إلى التصدي لإرهاب اليمين المتطرف

د. أسامة الحديدي: الفتاوى الشاذة تسيء للإسلام وتُشوِّه صورته في المجتمعات الغربية

المصدر : وكالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى